أنصفونا معشر الأبناء
 

أجرت احدى المحطات الإذاعية الامريكية لقاء مع طبيبة امريكية متخصصة بالطب النفسي، والتي قامت مؤخراً بتأليف كتاب عن الاثر السلبي الناتج عن تدلل الاباء للابناء وكيف ان ذلك الدلال مدمر لشخصياتهم وأوضحت ان هذا التدمير قد اشتركت فيه الاسرة والدولة معاً، فالأبوان يلبيان معظم طلبات الابناء، والدولة بدورها تسهل لهم كل شيء، توفر لهم حياة سهلة بلا معاناة حتى الواجبات المدرسية الغيت كي لا يتعب الابناء، والنتيجة جيل مدلل تعود على الاخذ لا العطاء جيل تعود الاعتماد على أبويه في تدبير اموره لا على نفسه، فالأبوان قد دمرا شخصية الابناء في الوقت الذي ظنا فيه انهم يحسنان صنعا! توالت الاتصالات خلال البرنامج على الطبيبة من ابناء يؤيدونها فيما ذهبت اليه، ويشتكون ان آباءهم قد دمروا حياتهم بتدليلهم لهم! انتهى حديث الطبيبة الامريكية ولم ينته حديثي فالدراسة التي اعدتها اليق ما تكون بابناء الخليج المدللين في حالات قليلة عن طيب خاطر من الابوين، وفي أغلب الحالات ليس عن طيب خاطر من الآباء، بمعنى أن الآباء المساكين مرغمون على ذلك التدليل حسبما رأيت ولمست لاشك أن التدليل فيه مفسدة للابناء ينكر هذا عاقل.. فلا إفراط ولا تفريط وخير الامور الوسط ولكن هل يرضى أغلب الابناء بالوسط أليسوا هم من يصر على ذلك الدلال الذي ارهق ميزانية الآباء، وأتلف اعصابهم؟ اليس الابناء هم أول من يرفض ان يعيش ضمن مبدأ »مد رجليك على قدر لحافك« أغلب أبنائنا اليوم لا جميعهم- حتى نكون منصفين- قد دللوا انفسهم بانفسهم، وفرضوا على آبائهم المساكين ان يدللوهم مع سبق الاصرار والترصد، وكم سمعنا عن معاناة عاشها الآباء أو مطالب مادية أجبروا عليها تحت ضغط نفسي رهيب من الابناء كم هي المرات التي جر »بالضم« فيها الآباء من قبل الابناء للحصول على قرض من هذا البنك أو ذاك وخيرا صنعت حكومتنا الرشيدة عندما اصدرت قانون منع القروض الاستهلاكية باكثر من ربع الراتب فحفظت بذلك كرامة الاباء التي طالما أهدرها الابناء!
قد يلقي بعضكم اللوم على الآباء المساكين الذين عجزوا عن الوقوف أمام مطالب الابناء، اذ يفترض ان يكونوا اكثر حزما مع ابنائهم، وانا معكم في ذلك لكن لا يتساوى جميع الناس في الملكات والشخصيات كما ان ليس من جرب مثل من لم يجرب فكم من آباء انتقدت رضوخ من تعرف من الاسر لمطالب الابناء، ثم حين شب ابناؤهم وقعوا فيما عابوه على غيرهم! فللأبناء أساليبهم التي تجعل الآباء مستجيبين لمطالبهم وذلك بالاضراب عن الذهاب للكلية أو الهروب من البيت هي الاكثر شيوعاً بين الابناء ان لم تنفذ مطالبهم وهو تهديد مع الاسف يرعب اكثر الآباء ويأخذونه على محمل الجد فيسارعون للتنفيذ ولاننسى ان الآباء معذورين في هلعهم وخوفهم على الأبناء فعلم النفس الحديث صار كالسيف المسلط على رقاب الآباء يطالبهم بفعل كذا وكذا وكذا للابناء والا فالعقد النفسية هي نهاية المطاف والنتيجة الحتمية لشخصيات الابناء! وقد يساوم الابن احياناً على استقامته مقابل حصوله على ما يريد، ووسط هذا الكم الهائل من الانحراف السلوكي يرضخ الاب المسكين معتقدا انه بذلك يحفظ صلاح الابناء، سمعت عن احد الآباء المساكين الذي هددته ابنته الطالبة الجامعية انها لن تذهب للجامعة ما لم تحصل على سيارة بعينها، فما كان من الاب الذليل الا ان راح في المساء يرجو ويتوسل الى رواد الديوانية التي اعتاد السهر فيها ان يساعدوه بالتبرع بالمال لأجل شراء السيارة لابنته المحروسة فراح هذا وذاك يلقي له ما في جيبه، وعيونهم تحمل له الشفقة والازدراء وفي احدى الزيارات العائلية راحت الابنة المراهقة تعرض على والدايها الحقيبة التي ابتاعتها لها الام بمئات الدنانير، وفي نفس الوقت كانت الام تشكو لقريباتها في غرفة أخرى انها اضطرت للاستدانة وشراء الحقيبة الملعونة لان ابنتها الطالبة في شهادة الثانوية العامة قد هددتها بالانقطاع عن الدراسة ما لم تحصل على الحقيبة، انتهى الحديث ولا ينتهي ما في الجعبة من مآس واذلال عجيب يتعرض له الاباءعلى يد الابناء، ثم بعد كل هذه المعاناة يأتي الاتهام باننا نحن من دمر شخصيات الابناء الأعزاء، اظن ان مقالي هذا سيسر الآباء ويجدون فيه انصافا لهم بقدر ما سيثير سخط الابناء وعلى رأسهم اولادي وسيجدون فيه اجحافا لهم لكن اظن ان الطبيعي ان انضم لحزب الاباء فنحن في النهاية المغلوبون على امرهم والله المستعان.

بقلم : سعاد الولايتي


التعليق :
ما ادري ليش استحضرني قول الشاعر بركات الشريف :
أدّب ولدك إن كان تبغيه يشفيك ............. واستسعفه من بعد مرباه بالاك
أما سـمج واستسمجك عند شانيك ............ ويفرّ من فعله صديقك وشرواك
وألاّ بعد جهله ترى هو بياذيك ................ لو زعلت امه لا تخليه يالاك

تدليل الابناء يلعب بشخصياتهم :thumb:

الله يعافيك

وشاكر مرورك والتفاعل

لا هنت