شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري

شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري (http://www.rhb-reema.com/vb/index.php)
-   القسم العام (http://www.rhb-reema.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   سرقة الأخلاق (http://www.rhb-reema.com/vb/showthread.php?t=13919)

سبيع السبيعي 03-26-2009 06:01PM

سرقة الأخلاق
 
إن مفهوم الإعلام بشكل عام يعني أنه نشاط إنساني يهدف إلى التواصل مع الآخرين والتأثير فيهم والتأثر بهم عبر وسائل اتصال متعددة، ويعتبر الإعلام اليوم هو أحد أهم مصادر تشكيل الرأي العام وأحد الوسائل البارزة لصياغة أنماط التفكير ومعايير القبول أو الرفض لثقافات العالم ، ولم يعد وسيلة للترفيه أو نشر الأخبار فحسب، بل غدا صانعاً للأفكار منتجاً للقيم مهندساً للنجاح أو صانعاً للفشل وأصبح قوة هائلة من يمتلكها بوعي وجدارة يكون قد كسب إحدى أكبر جولات التأثير على الرأي العام ،إنها قضية في غاية الأهمية والخطورة ...قضية تأثير أجهزة الإعلام بجميع أنواعها ومما لها من أبعاد اجتماعية وسلوكية ونفسية وإنسانية عميقة تمس حياتنا وتلمس مستقبل أطفالنا وتؤثر في نفوسهم دون وعيي منا ولا يختلف عاقلان على حجم وخطورة الإعلام على ثقافتنا وسلوكنا حيث أصبح الإعلام المرئي في عصرنا الحالي الأخطر بين الوسائل الإعلامية المختلفة لوجوده معنا طوال ساعات اليوم ويعرض من خلال شاشاته كل شيء بلا استثناء : الثمين والغث ،الطيب والخبيث ،الخير والشر ،الصالح والطالح ،الواقع والخيال، الحق والباطل، الراقي والمتخلف ،ونستقبل من خلال برامجه ما يسمو بالروح أو يساهم في سقوطها .ونحن في خضم أعمالنا ومشاكلنا وفي غمرة الأحداث اليومية التي نمر بها وانشغالنا في توفير مستلزمات الحياة قد نقصر في بعض الأمور ونسهو عن أشياء لها أهمية أكبر على المدى البعيد فتغيب عنا مهمة تعزيز بعض القيم والمبادئ لفلذات أكبادنا ، لأننا لم نمنحهم الوقت الكافي ولا أبالغ لو قلت :إن تأثير بعض القنوات السلبي أصبح خطراً حتى على البالغين ،ولكن خوفي الشديد ينصب على أطفالنا عماد الوطن وصانعي المستقبل الذين يمتلكون أجهزة استقبال خطيرة متيقظة متنبهة دقيقة تسجل كل ما يدور حولها وألاهم من ذلك أن التقليد من خصائص نموهم ،إذ يطبقون كل ما يرون ويسمعون على اعتبار أنه الصواب والبطولة من وجهه نظرهم مع أن هناك العديد من المواقف التي يصعب على عقولهم فهمها فهماً صحيحاً ونحن في غفلة عنهم ثم نفاجأ من أبنائنا بتصرفات وطلبات وتعبيرات وسلوك وأقوال غريبة عنا ،كما نجد مع مرور الوقت قيماً ترسخت في أذهانهم وأفكاراً تسللت إلى عقولهم وسكنت ضمائرهم وأدت إلى تسرب القيم والعادات الغريبة إلى بيوتنا بجانب اكتسابهم للفهم الخاطئ لمعنى الحرية نتيجة الظواهر الغريبة في السلوك والأخلاق التي قد تدفعهم إلى متاهات بعيدة
أطفالنا هم براعم في مرحلة التأسيس والتشكيل والتكوين ، لا يفرقون بين الصواب والخطأ بين الخير والشر فهناك العنف الذي يحسبونه شجاعة وإقداماً وهناك السخرية والتهكم والألفاظ الخارجة عن الأدب التي يعتبرونها قوة وحرية شخصية ،أما ثورة "الفيديو كليب "فحدث ولا حرج من تقديمها لنا أسوأ النماذج في السلوك والأخلاق ، فيصبح الغريب لهم مألوفاً و الضار محبباً و الشاذ طبيعياً ويسمع الأطفال في الإعلانات ألفاظا عامية و كلمات سوقية تؤثر على لغتهم العربية ومفرداتهم اللغوية فتعطل قدراتهم العقلية و اللغوية و الفكرية نتيجة الاستمرار في مشاهدة البرامج الترفيهية وتقمصهم للعادات الغريبة عن عادات مجتمعنا و قيمه مما يقلل من فرص القراءة لديهم ، ويُروج لأشكال من التربية الموازية التي تلحق الضرر بدور المؤسسات التربوية ويشوش على العملية التي تقوم بها المدرسة ،ويؤثر على متابعتهم لدروسهم باستحواذه على وقت أطول مما يخصص لاستذكارهم و عمل واجباتهم ، كما أن مشاهدتهم للبرامج المثيرة تجعل من أحدهم طفلاً خائفاً قلقاً إضافة إلى خلطه بين الواقع و الخيال ،ويؤكد الأطباء و علماء النفس من أن جلوس الأطفال أمام التلفاز لساعات طويلة يهدد صحتهم البدنية و العقلية و يؤثر على حواسهم البصرية و السمعية و يحد من حركتهم وكان باحثون في جامعة فلورنسا قد درسوا التأثيرات الناجمة عن الأشعة التلفازية للأطفال الذين اعتادوا مشاهدة التلفاز لفترة تصل إلى أكثر من ثلاث ساعات يومياً فاكتشفوا أن مستويات الميلاتونين لديهم نقصت عن المتوسط ،وهو هرمون يعرف باسم " هرمون النوم " له علاقة بتعجيل البلوغ في سن مبكرة في حال انخفاضِه . ولا أحد يعرف إلى أي مدى ستحملنا هذه القنوات في السنوات القادمة ،علينا أن ندرك أننا نعيش الآن أمام منعطف خطير في ظل هيمنة الغزو الفكري المدمر لمبادئنا وتقاليدنا ،إنها مسئوليتنا جميعاً ولا بد أن نواجهها ونتحملها ونتصدى لها بكل حكمة وتعقل ومنهجية سليمة لعلنا نستطيع أن ننشئ إعلاماً أسرياً تربوياً ينطلق من ثقافتنا وجذورنا لنحمي أبناءنا من الانجراف في هذا التيار .
وباتت بصمة الإعلام اليوم على الأشخاص المولعين بالتلفاز أو الإنترنت أكبر من أن تُنكر وأبرز من أن يتجاهلها المعنيون بمستقبل الأجيال التي وإن ارتفع سقف خياراتها الاتصالية إلا أنه لم يتزامن معها ارتفاع سقف الأداء التربوي الذي ظل أداءً باهتاً في كثير من البيوت والأسر التي أصبحت عاجزة عن التكيف مع الثورة التكنولوجية ،حيث صدم بها جيلٌ كامل من المربين عجز عن ترشيد الاستخدام التكنولوجي ولم يفهم كيف يصنع لأبنائه مظلة تقيهم شرور الثورة الاتصالية .
إننا نعيش في عصر يحكمه ويديره الإعلام بشتى وسائله ، فالإعلام الحديث بوسائله : المرئية ,المقروءة و المسموعة قد غيّر الكثير من ملامح حياتنا , وأصبحت الكلمة هي سيدة الموقف , خاصة مع من يستطيع تسخيرها لتحقيق الأهداف النبيلة والمقاصد السامية ويتحمل أمانتها . وقد أمطرتنا وسائل الإعلام بوابلها من كل حدب وصوب و لم نعد قادرين على المتابعة والتمييز ، وأتت الشبكة العنكبوتية فزادت من صعوبة السيطرة الإيجابية . فلابد إذن من تفعيل إعلام تربوي يكون رافداً توعوياًً وتثقيفياً يأخذ بأيدي أبنائنا إلى بر الأمان في ظل شريعتنا الإسلامية الغراء وتعاليمها السمحاء, ويؤدي دوره في بناء أجيال صالحة تُرضي تطلعاتنا وتحقق طموحاتنا وتنشئ مناخا مناسبا للتواصل والتفاعل ،ويكون أداة توجيه وإصلاح حقيقي متتبع لأهدافنا المعرفية والثقافية من أجل تأمين مناخ ثقافي سليم يعيش فيه المجتمع التربوي بين ربوع العلم ‏والمعرفة ،لا تشوبه الضبابية ولا تنعدم فيه الرؤية الصحيحة ، بل يصبح قادراً على قول كلمة الحق وإرساء قواعد الصدق‏ والحقيقة من خلال الدعوة إلى بث القيم والتعامل من خلال‏البعد الأخلاقي الذي نحن في أمس الحاجة إليه لتربية أجيالنا ،وذلك بتوجيه رسائل تربوية تهتم بكيفية تعليم أبنائنا وتوعيتهم بأهمية الرقابة الشخصية والتحصن الذاتي لإرساء إعلام تربوي واع ينهض بالمجتمع ويتصدى لما بدأ يتغلغل من انحرافات فكرية داخل المجتمع وخارجه ، بحيث يتحقق التفاعل التكاملي على نحو يعزز الرأي العام والذوق السليم ، خاصة أن من يتأمل المجتمع في وقتنا الحالي يتلمس حاجته الحتمية إلى إعلام تربوي يفْعًّل بالصورة التي تحقق لأفراده الفهم الواعي والحس المتنامي لكونه أحد أهم العناصر التي تبني الأجيال وتنشئهم وترسخ فيهم القيم الدينية والثقافية والأخلاقية و الاجتماعية بغية الارتقاء الفكري والنماء الحضاري ،و تحقيق كل ما من شأنه توجيههم بكل الأساليب التربوية الفعاّلة للوصول بهم إلى فكر ٍ واع ٍ يميز بين الإعلام الهادف و الإعلام الهادم , و بالتالي نضمن سلامة الفكر و الميول و السلوكيات و نحقق مجتمعاً راقياً .لقد باتت الحاجة ماسة إلى أن يتعاطى القائمون على الإعلام في المجال التربوي التركيز الدائم لاستجلاء ملامح النجاحات والإخفاقات وترميم الشرخ في منظومتنا القيمية والفكرية والثقافية ، حتى تجعلنا قادرين على أن نتطلع إلى إحداث نقلة نوعية في تطوير الفكر وتحسين الأداء .

بقلم : مديرة وحدة الاعلام التربوي بمحافظة جدة
أميمة عبدالعزيز زاهد


الساعة الآن 11:07PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة لشبكة رهب الأدبية