نهاية الإنسان !!
 

منذ بدء الخليقة لم تتغير عادات ولا حياة ملايين الحيوانات والطيور والحشرات.. لم يقم حيوان بفتح «مطعم» يعد فيه اكل باقي الحيوانات ويقدمه لها، او بتعبئة المياه في اي محتوى ويجعله جاهزا للشرب في الغابة، ولم يتول حيوان او حشرة او طير بناء مسكن لحيوان او حشرة او طائر آخر، فالقانون هو ان يعمل كل واحد من اجل الحصول على طعامه ومائه وبقدر سعيه تكون حياته! ولهذا لم يتغير مسكن النملة عبر ملايين السنين، وما زالت المصيدة تصيد الفأر والصنارة تتعلق بها السمكة على الطريقة نفسها التي كان اجداد اجدادنا يفعلون.. الانسان هو المخلوق الوحيد الذي تطور تقريبا في كل شيء.. في سكنه واكله ولبسه ولعبه وهواياته.. آلاف المخترعات والوسائل دخلت حياته وغيرتها، وبعد ان كان يموت مبكرا في سن صغيرة بسبب الامراض العديدة، وكانت النزلة المعوية وحدها تقصف عمر ملايين الاطفال، استطاع العلماء ان يتوصلوا الى عقاقير جديدة عالجت امراضا كثيرة، مما ادى الى ارتفاع متوسط عمر الانسان الى اكثر من 70 عاما في معظم دول العالم، وستزداد الى اكثر من 100 سنة.. ولم يعد الاطفال الصغار تحصدهم النزلة المعوية التي كانت وراء قيام الابوين قديما بإنجاب عدد كبير من الاطفال، حتى يضمنا ان يعيش لهما اولاد، وانما اصبح موت الاطفال قليلا في الوقت الذي حافظ فيه عدد غير قليل خاصة في الريف المصري على الانجاب مما ادى الى الزيادة السكانية التي تشكو منها مصر، وجعلتها تعيد تخصيص وزير متفرغ لشؤون تنظيم الاسرة والسكان. لكن القفزة الكبيرة في حياة البشر كانت بفضل ثورة العلم التي بدأت في منتصف القرن الماضي وغيرت حياة الانسان، وجعلته يعيش بصورة دائمة في اصعب الاجواء بسبب التكييف، ويعيش احداث العالم في ابعد مكان، ويخفي العالم في جيبه عن طريق المحمول، ويتصل بالآخرين وجها لوجه عن طريق الكمبيوتر، ويخطو فوق القمر ويصل الى المريخ.. وكل هذا في نصف قرن فقط، وخطوات العلم ما زالت مستمرة، فماذا بعد 300 او 400 سنة فقط؟ الى اين يمكن ان تصل حضارة الانسان اذا استمر تقدمه بتلك الخطوات، ونحن نعرف ان معامل البحث تخفي حاليا اسرارا كثيرة في الاستنساخ والهندسة البشرية؟! رايحين على فين والحياة البشرية تتغير سنة بعد اخرى في الوقت الذي تحتفظ فيه باقي الكائنات الاخرى بأسلوب حياتها القديم، لم تمسه شعرة تغيير او تطوير بسبب العقل الذي ميز به الله الانسان فاستطاع به ان يقرأ صفحات الماضي، ويتعلم منه، وان يفكر دائما في المستقبل، ويعمل على تطويره، بينما الحيوانات والحشرات والطيور لا تعرف عن الماضي، وكل مستقبلها متصل بتوفير الطعام تحسبا من الظروف الجوية، كما في حالة النمل على سبيل المثال وتخزينه الطعام في فصل الصيف او التكاثر كما في رحلات بعض الاسماك والطيور.. الانسان وحده هو الذي يفكر للمستقبل، ويعيش مشغولا به ان لم يكن على نفسه فعلى اولاده من بعده.. فإلى اين نحن جميعا ذاهبون؟ سنسكن القمر ونمضي الاجازة في المريخ؟ سنأخذ الطعام في اقراص ونطوف العالم في ساعات؟ ام، وربما هذا هو الارجح، سيستمر العلم في ثورته وتمرده وقفزاته حتى يفتن الانسان بما وصل اليه؟ فيتصور نفسه إلها وتكون المغامرة القاتلة التي تؤدي الى حرب فناء للبشرية، ويدور التاريخ دورته وتختفي هذه الحضارة.. يدفنها الدمار والخراب وتعود مسيرة الانسان الذي يتبقى من بداية جديدة يتطلع فيها الى التقدم!

بقلم : صلاح منتصر