شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري

شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري (http://www.rhb-reema.com/vb/index.php)
-   القسم العام (http://www.rhb-reema.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   "بَسْ دقيقة".. (http://www.rhb-reema.com/vb/showthread.php?t=26419)

ظل الياسمين 01-05-2011 07:37AM

"بَسْ دقيقة"..
 
http://almotamred.nireblog.com/blogs...-is-winter.gif



"بَسْ دقيقة"
بقلم: محمد عبد الوهاب جسري





كنت أقف في دوري على شباك التذاكر لأشتري بطاقة سفر في الحافلة إلى مدينة تبعد حوالي 330 كم، وكانت أمامي سيدة ستينية قد وصلت إلى شباك التذاكر وطال حديثها مع الموظفة التي قالت لها في النهاية: الناس ينتظرون، أرجوكِ تنحّي جانباً. فابتعدت المرأة خطوة واحدة لتفسح لي المجال، وقبل أن أشتري بطاقتي سألت الموظفة عن المشكلة، فقالت لي بأن هذه المرأة معها ثمن بطاقة السفر وليس معها يورو واحد قيمة بطاقة دخول المحطة، وتريد أن تنتظر الحافلة خارج المحطة وهذا ممنوع. قلتُ لها: هذا يورو وأعطها البطاقة. وتراجعتُ قليلاً وأعطيتُ السيدة مجالاً لتعود إلى دورها بعد أن نادتها الموظفة مجدداً.
اشترت السيدة بطاقتها ووقفت جانباً وكأنها تنتظرني، فتوقعت أنها تريد أن تشكرني، إلا أنها لم تفعل، بل انتظرتْ لتطمئن إلى أنني اشتريت بطاقتي وسأتوجه إلى ساحة الانطلاق، فقالت لي بصيغة الأمر: احمل هذه... وأشارت إلى حقيبتها.
كان الأمر غريباً جداً بالنسبة لهؤلاء الناس الذين يتعاملون بلباقة ليس لها مثيل. بدون تفكير حملت لها حقيبتها واتجهنا سوية إلى الحافلة، ومن الطبيعي أن يكون مقعدي بجانبها لأنها كانت قبلي تماماً في الدور.
حاولت أن أجلس من جهة النافذة لأستمتع بمنظر تساقط الثلج الذي بدأ منذ ساعة وأقسم بأن يمحو جميع ألوان الطبيعة معلناً بصمته الشديد: أنا الذي آتي لكم بالخير وأنا من يحق له السيادة الآن! لكن السيدة منعتني و جلستْ هي من جهة النافذة دون أن تنطق بحرف، فرحتُ أنظر أمامي ولا أعيرها اهتماماً، إلى أن التفتتْ إلي تنظر في وجهي وتحدق فيه، وطالت التفاتتها دون أن تنطق ببنت شفة وأنا أنظر أمامي، حتى إنني بدأت أتضايق من نظراتها التي لا أراها لكنني أشعر بها، فالتفتُ إليها.
عندها تبسمتْ قائلة: كنت أختبر مدى صبرك وتحملك.
- صبري على ماذا؟
- على قلة ذوقي. أعرفُ تماماً بماذا كنتَ تفكر.
- لا أظنك تعرفين، وليس مهماً أن تعرفي.
- حسناً، سأقول لك لاحقاً، لكن بالي مشغول كيف سأرد لك الدين.
- الأمر لا يستحق، لا تشغلي بالك.
- عندي حاجة سأبيعها الآن وسأرد لك اليورو، فهل تشتريها أم أعرضها على غيرك؟
- هل تريدين أن أشتريها قبل أن أعرف ما هي؟
- إنها حكمة. أعطني يورو واحداً لأعطيك الحكمة.
- وهل ستعيدين لي اليورو إن لم تعجبني الحكمة؟
- لا، فالكلام بعد أن تسمعه لا أستطيع استرجاعه، ثم إن اليورو الواحد يلزمني لأنني أريد أن أرد به دَيني.
أخرجتُ اليورو من جيبي ووضعته في يديها وأنا أنظر إلى تضاريس وجهها. لا زالت عيناها جميلتين تلمعان كبريق عيني شابة في مقتبل العمر، وأنفها الدقيق مع عينيها يخبرون عن ذكاء ثعلبي. مظهرها يدل على أنها سيدة متعلمة، لكنني لن أسألها عن شيء، أنا على يقين أنها ستحدثني عن نفسها فرحلتنا لا زالت في بدايتها.
أغلقت أصابعها على هذه القطعة النقدية التي فرحت بها كما يفرح الأطفال عندما نعطيهم بعض النقود وقالت: أنا الآن متقاعدة، كنت أعمل مدرّسة لمادة الفلسفة، جئت من مدينتي لأرافق إحدى صديقاتي إلى المطار. أنفقتُ كل ما كان معي وتركتُ ما يكفي لأعود إلى بيتي، إلا أن سائق التكسي أحرجني وأخذ مني يورو واحد زيادة، فقلت في نفسي سأنتظر الحافلة خارج المحطة، ولم أكن أدري أنه ممنوع. أحببتُ أن أشكرك بطريقة أخرى بعدما رأيت شهامتك، حيث دفعت عني دون أن أطلب منك. الموضوع ليس مادياً. ستقول لي بأن المبلغ بسيط، سأقول لك أنت سارعت بفعل الخير ودونما تفكير.
قاطعتُ المرأة مبتسماً: أتوقع بأنك ستحكي لي قصة حياتك، لكن أين البضاعة التي اشتريتُها منكِ؟ أين الحكمة؟
- "بَسْ دقيقة".
- سأنتظر دقيقة.
- لا، لا، لا تنتظر. "بَسْ دقيقة"... هذه هي الحكمة.
- ما فهمت شيئاً.
- لعلك تعتقد أنك تعرضتَ لعملية احتيال؟
- ربما.
- سأشرح لك: "بس دقيقة"، لا تنسَ هذه الكلمة. في كل أمر تريد أن تتخذ فيه قراراً، عندما تفكر به وعندما تصل إلى لحظة اتخاذ القرار أعطِ نفسك دقيقة إضافية، ستين ثانية. هل تعلم كم من المعلومات يستطيع دماغك أن يعالج خلال ستين ثانية؟ في هذه الدقيقة التي ستمنحها لنفسك قبل إصدار قرارك قد تتغير أمور كثيرة، ولكن بشرط.
- وما هو الشرط؟
- أن تتجرد عن نفسك، وتُفرغ في دماغك وفي قلبك جميع القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية دفعة واحدة، وتعالجها معالجة موضوعية ودون تحيز، فمثلاً: إن كنت قد قررت بأنك صاحب حق وأن الآخر قد ظلمك فخلال هذه الدقيقة وعندما تتجرد عن نفسك ربما تكتشف بأن الطرف الآخر لديه حق أيضاً، أو جزء منه، وعندها قد تغير قرارك تجاهه. إن كنت نويت أن تعاقب شخصاً ما فإنك خلال هذه الدقيقة بإمكانك أن تجد له عذراً فتخفف عنه العقوبة أو تمتنع عن معاقبته وتسامحه نهائياً. دقيقة واحدة بإمكانها أن تجعلك تعدل عن اتخاذ خطوة مصيرية في حياتك لطالما اعتقدت أنها هي الخطوة السليمة، في حين أنها قد تكون كارثية. دقيقة واحدة ربما تجعلك أكثر تمسكاً بإنسانيتك وأكثر بعداً عن هواك. دقيقة واحدة قد تغير مجرى حياتك وحياة غيرك، وإن كنت من المسؤولين فإنها قد تغير مجرى حياة قوم بأكملهم... هل تعلم أن كل ما شرحته لك عن الدقيقة الواحدة لم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة؟
- صحيح، وأنا قبلتُ برحابة صدر هذه الصفقة وحلال عليكِ اليورو.
- تفضل، أنا الآن أردُّ لك الدين وأعيد لك ما دفعته عني عند شباك التذاكر. والآن أشكرك كل الشكر على ما فعلته لأجلي.
أعطتني اليورو. تبسمتُ في وجهها واستغرقت ابتسامتي أكثر من دقيقة، لأنتهبه إلى نفسي وهي تأخذ رأسي بيدها وتقبل جبيني قائلة: هل تعلم أنه كان بالإمكان أن أنتظر ساعات دون حل لمشكلتي، فالآخرون لم يكونوا ليدروا ما هي مشكلتي، وأنا ما كنتُ لأستطيع أن أطلب واحد يورو من أحد.
- حسناً، وماذا ستبيعيني لو أعطيتك مئة يورو؟
- سأعتبره مهراً وسأقبل بك زوجاً.
علتْ ضحكتُنا في الحافلة وأنا أُمثـِّلُ بأنني أريد النهوض ومغادرة مقعدي وهي تمسك بيدي قائلة: اجلس، فزوجي متمسك بي وليس له مزاج أن يموت قريباً!
وأنا أقول لها: "بس دقيقة"، "بس دقيقة"...
لم أتوقع بأن الزمن سيمضي بسرعة. كانت هذه الرحلة من أكثر رحلاتي سعادة، حتى إنني شعرت بنوع من الحزن عندما غادرتْ الحافلة عندما وصلنا إلى مدينتها في منتصف الطريق تقريباً.
قبل ربع ساعة من وصولها حاولتْ أن تتصل من جوالها بابنها كي يأتي إلى المحطة ليأخذها، ثم التفتتْ إليّ قائلة: على ما يبدو أنه ليس عندي رصيد. فأعطيتها جوالي لتتصل. المفاجأة أنني بعد مغادرتها للحافلة بربع ساعة تقريباً استلمتُ رسالتين على الجوال، الأولى تفيد بأن هناك من دفع لي رصيداً بمبلغ يزيد عن 10 يورو، والثانية منها تقول فيها: كان عندي رصيد في هاتفي لكنني احتلتُ عليك لأعرف رقم هاتفك فأجزيكَ على حسن فعلتك. إن شئت احتفظ برقمي، وإن زرت مدينتي فاعلم بأن لك فيها أمّاً ستستقبلك. فرددتُ عليها برسالة قلت فيها: عندما نظرتُ إلى عينيك خطر ببالي أنها عيون ثعلبية لكنني لم أتجرأ أن أقولها لك، أتمنى أن تجمعنا الأيام ثانية، أشكركِ على الحكمة واعلمي بأنني سأبيعها بمبلغ أكبر بكثير.
"بس دقيقة"... حكمة أعرضها للبيع، فمن يشتريها مني في زمن نهدر فيه الكثير الكثير من الساعات دون فائدة؟


:r::r::r:

ريف النشاما 01-05-2011 08:33AM

قصة رائعة و فيها من الفائده الكثير
ومثل هذه النصائح والحكم لا يمكن ان تقدر بمال لانها تاتي
من خلال تجربة حقيقية لانسان استغرقت عمرا باكمله ،
فكيف يمكن لنا ان نضع لها سعرا ماديا .

نوف بنت عبدالله
وسام شكر و تحية طيبه
لهذه القصة الرائعة
تقبلي مروري المتواضع

تحياتي
ريف

خلف العاطفي 01-06-2011 02:01AM

نوف

شكرا لك
كانت حكمتها رائعه
وكذلك وجدنا بعضا
من الحكم التي تتخل الموقف
فعدم الحكم على اي شخص
من خلال منظره..وكذلك تقديم المعروف
وايضا حسن التصرف


شكرا نوووف
والله يعطيك العافيه

عبير الروح 01-06-2011 05:07AM

بس دقيقه
في زمان نهدر فيه الساعات بلافائده

نوف
موضوع راقي ويحمل الكثير من الفائده
شكرا لك عزيزتي
تقديري

خذ العلم مني 01-06-2011 04:57PM

نعد الليالي و الليالي تعدنا *** العمر يفنى واليالي بزايد

نحن شعوب ملتهية .. او خليني اقول غير مباليه .

الوقت ليس له قيمة عندنا.. له قيمته عند حضارات غير حضارتنا .

المشكله لاتكمن فقط بالوقوف على الدور وغيره .. انما في ابسط الامور وهو موضوع المواعيد. فعندما يواعدك شخص غير مبالي لوقتك الثمين ... هو بشكل غير مباشر لايحترم وقتك لانه في الاصل لاقيمة للوقت لديه فيرى ان الناس كلهم مثله.

اختي الكريمه نوف موضوعك لو اكتب مجلدات فيه لانصل الى ان يقنع الاخرين بان الوقت ثمين وانه الوقت كالسيف ان لم تقطعة قطعك
ان الدقائق والثواني في اعمار الامم,وفي حياة الافراد لها حساب ,فالساعات الطوال
ليست في حقيقتها سوى دقائق وثواني ,,وضياع الثواني في حقيقتة ضياع لتلك الساعات
التي ينقضي بمرورها عمر الانسان ,,وينتهي بها كفاحة من اجل الحياة , وفي الواقع ان
الثروة التي يجمعها اي انسان مكافح ليست سوى كمية من زمن تحولت الى مال,,,
وكان من الممكن ان تضيع في النوم او الكسل,,
او تضيع في شهوة خاطفة تمضي وتخلف لصاحبها حسرة العمر على الضياع والغفلة ,,
كم من الايام والسنين تضيع في حياة هذة الامة ,,بينما اعداؤنا يسهرون ويكدحون في كل
دقيقة بل في كل ثانية من اجل تحصيل اسباب القوة ومن اجل فرض سيطرتهم
على مصائر العرب والمسلمين ....!!!!


سلمت يداكي على هالموضوع القيم وتقبلي خالص مودتي واحترامي

وهم أنثى 01-06-2011 06:03PM

يمر الكثير في حياتنا ونعطيهم جل أهتماماتنا
ولكن لم نقل ( بس دقيقة ) لنعرف هل نحن معهم
على الطريق الصحيح أو أننا فقط كمالت عدد لا شأن له .... ورب الكعبة أنها
دقيقة كالدهر
قصة رائعة يا صديقتي

المجازف 01-07-2011 10:36PM

يعطيك العافيه على الموضوع الممتع جدااااااااا

فلقد استمعت وتعمقت معه واستفدت

لكي كل الشكر والتقدير

الـــــذوق 01-08-2011 09:01PM

قصة جميله بكل ما تحتوية من مفاهيم مجتمعنا

فانجن يا العرب لابد ان يكون لدينا العاطفه والرحمه في من كان

وتقبل خالص تقديرى

مشاعر 01-09-2011 12:27AM

قصه مفيده حتى آخر حرف
وحكمه فيها الكثير من العبر
لكن قليل من الناس من يستفيد من الحكم والنصائح
لكن لعل ان نكون من هؤلاء القله
نوف
شكرا لك

تقبلي مروري

مشاعر ..

الإدمي 01-10-2011 08:09PM

بس دقيقه



هي دقيقه لمحورة كل مايجول في الخاطر لتوازنه


وكما قالوا في التاني السلامه وفي العجله الندامه


يسلمو يالغلا في انتظار ابداعاتك المثيره


الساعة الآن 02:55AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة لشبكة رهب الأدبية