المَقَامَةُ الأوْلَى : ( المَقَامَةُ النُّوْرِيَّة )
( المَقَامَات ) مُقَدِّمَة بِسْمِ اللهِ العَلِيِّ المَنَّان ، بَدِيعِ الكَونِ عَظِيمِ الشَّان . أحمدُه وأنا عبدُه ، حمدَ الشاكرين القانتين ، وأستعينُه وأستهديه ، وأستبينُه وأستجديه . أمَّا بَعد ... هذِهِ ( مَقَامَاتٌ أدبيَّة ) ، وشَذَرَاتٌ فِكْريَّة .. لستُ البدْعَ المبتكِر ، ولا النِّدَ المقتدِر ؛ افتضَّها بديعُ الزَّمَان البَدِيع ، واقتفاه الحريريُّ الضَّليع ... فعلى الله اتكلْت ، وبالمعين اتصلْت ، رفعتُ العَلَم ، وامتطيتُ القَلَم ، وبدأتُ في سبك الجُمل ، ومن سار على الدَّرب وصَل .. ونسبتُ بُطولاتِهَا إلى ( أبي الشَّمَقْمَق الدِّمَقْسِي ) ، ورواياتها إلى ( المِقدَام بن الحَارث ) . وليس لهما أصلٌ ولا فصلٌ ، بل هما وحيُ عقل . وسلكتُ – عمْداً – السهلَ القريب ، وتجنَّبتُ - قصْداً - الوَعْر الغريب ؛ لتكون المقامةُ لكلِّ الشَّرائح ، ومنهلَ كلِّ سَائح ، ومرتعَ كل نائح . وآثرتُ الاختصارَ على الإكثار .. ولم أتكلَّف ولم أتزلَّف ؛ فهي من الفِكر إلى الحِبر على السَّطر ، ومن الرأس إلى النِّقْس (1) على الطِّرس .. وكلُّ مَا نُظِمَ فيهَا ، ونُثِرَ في نَوَاحِيهَا ، فَهُوَ مِنْ مَنْظُومِ أشْعَاري ، ومِنْ مَنْثُور أفكَاري ، إلا ما نصَصْتُ إليه من شِعر الفُحُول ، والفرق بيننا مَهُول ! . جزى اللهُ من أشعَل الفِكر ، وأكثر الذِّكر ، وجوَّد الرسنَ وعَبَر ، وأدرك الحَسَن وشَكَر ، وجاوزَ الطَّامن وسَتَر . فَمَن رأى الجزْل فمِن رَبي ، ومن رأى الهزْل فمِن ذنبي .. ومسكُ الخِتام يَا كِرام السَّلام المَقَامَةُ الأُوْلَى الْـمَـقـَـامَــة النُّـوْريـَّــة رَوَى المِقدامُ بنُ الحَارث قال : عَشِقْتُ السَّفرَ كعشق المَطَر ، أجُوسُ خِلال الدِّيَار ، وأسبُرُ كلَّ الأغوَار ، وأسلكُ وَعْر القِفَار .. فلا يهْدأ لي بَال ، ولا يحلُو لي مَقال ، حتَّى أمشِي في مناكِب الأرض ، وأحيي السُّنَّة والفَرْض .. فبينا أنا حولَ الخُضرَة والنُّضرَة ، أسرِّح النَّظرَة تِلوَ النَّظرَة ، عَلَى فَرسَخ من ضَوَاحِي البصرَة ، إذا رجلٌ رثُّ القَميْص ، ذو بطن خَمِيْص (2) ، مُهَفْهَفُ القامة (3) ، مُتَوَّجُ الهَامَة بالعِمَامَة .. التفَّ حولَه النَّاس ، واحتكَّ الرأسُ بالرأس .. فأخذني الفُضُول ، فدنوتُ للمُثُول . فسمِعتُه يقُول : أيُّهَا النَّاس ! يا معشرَ الفرَّاس ! الزمُوا النُّورَ المُبين ، والحبلَ المتين ؛ فيهِ العِبرة ، وطمسُ العَبرة ، في آيِهِ بُعْدُ النَّظَر ، في بَطنِهِ حلوُ الثَّمَر .. هو بُلْجَة النفوس ، وسُلَّم الفردَوس ، ومُنتهَى البَلاغَة ، وبحرُ الصِّياغَة ، هو البحرُ الخِضَمّ ، كثيرَ الخَير يَضُمّ ، واسعُ العِظَم ، فصِيحُ النَّظْم ... . ثمَّ أنْشَأَ يَقُوْل : أيُّهَا القَاري لَهُ ** في الصَّبَاح والمَسَا ! جنَّةُ الدُّنيَا بِهِ ** لِيْنُ قَلْبٍ إنْ قَسَا نُوْرُ وَجْهٍ إنْ سَجَا ** لُطْفُ طَبْعٍ إنْ جَسَا (4) يَهْبِطُ الصَّخْرُ لَهُ ** لَو عَلَى ضِلْعٍ رَسَا حَفِّظُوا أولادَكُم ** يَا رجَالُ يَا نِسَا ! فعجبتُ مما هالني من بيانِه ، وما سمعته من لسانِه .. فدنوتُ منه واقتربتُ ، فقلتُ : مَن الرَّجل ؟ صَاحِب الكَلِم المُرتَجل . قالَ : ( أنَا النَّذيرُ المُبين ) ! . قلتُ : ذلكَ رفيعُ المَقام ، محمدٌ عليهِ السَّلام . قالَ : ( لَقدْ كَانَ لكُم في رسولِ اللهِ أسْوةٌ حَسَنَة ) . قلتُ : أريدُ من طِرازك ، ومن فنِّ مَجَازك . قال : ( أتَسْتَبدِلُونَ الذي هُوَ أدْنَى بالذي هُو خَيْر ) !! قلتُ : من أيِّ البَلاد ، رفيعُ العِمَاد ، طَوِيلُ النِّجَاد (5) ؟ قالَ : ( وَمَن يُهَاجِر في سبيلِ اللهِ يجِدْ في الأرض مُرَاغَمَا كثيراً وسَعَة ) . قلتُ : وَمَن علَّمَك ، وباللفْظِ قَوَّمَك ؟ قالَ : ( هُوَ اللهُ الَّذِي لا إلهَ إلا هُو ) . قلتُ : ومَن وراءَ حُسْنِك ، وجَمَالِ لِسْنِك (6) ؟ قالَ : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله ) . قلتُ : ومَاذا عَنْ شُعراءِ العَرب وفُصَحَائِهِم ؟ قالَ : ( ولا يَأتُونَكَ بِمَثَلٍ إلا جِئْنَاكَ بالحَقِّ وأحْسَنَ تَفْسِيْرَا ) ! . فأيقنتُ أنِّي لَو حاورتُهُ حتَّى يتنفسَ الصُّبح ، وتبلغَ الشمسُ قيدَ رُمْح ، لَمَا نَطَقَ بغير القُرآن ، وما فَارقَ خيرَ البَيَان ! فقلتُ : سألتكَ بالله العَظِيْم ، ربِّ العرش الكَريْم ، الذي تَنْطِقُ بَكَلامِه ، وتؤمن بكَمَالِه ، أنْ تُخْبِرَنِي مَنْ أنْتَ ؟ قالَ : ( إنَّمَا الصَّدَقاتُ للفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْن ) . فَعَلِمْتُ أنَّهُ يريدُ مَالاً ونَوَالاً . فناولتُهُ ثلاثةَ دَنَانِيْر ، وتَبِعَنِي الجَمَاهِيْر .. فأخَذَهَا وقالَ : أنَا ( أبُو الشَّمَقْمَق الدِّمَقْسِي ) . ثمَّ أنْشَدَ يَقُوْل : أجُوسُ خِلالَ الدِّيَار العَوَالِي ** وأرْكَبُ بَحْرَاً خِضَمَّاً هَدَر فَيَوْمَاً بِـَنَجْدٍ وَيَومَاً بِـبُصْرَى ** وَيَوْمَاً أجُوسُ بِلادَ الغَجَر !! فأخَذَ بَعضُنَا يَلحَظُ بَعضاً ويردِّدُ اسْمَهُ ، حتى غابَ عن الأنْظَار ، وبِلَمْحَةِ الأبْصَار .. ! . فَدَنَا اللَّيلُ بِسَجَاهُ وحَنَادِسِه ، ودَيَاجِيْه وكَرَادِسِه .. ثمَّ تَخَطَّى وتَمَطَّى ، وأردفَ أعْجَازاً ونَاءَ بكَلْكَلِ ، فأبطَأ عَلَيَّ ولمْ يَنْجَلِ ، فَمَا غَابَ لِي مُذ غَابَ جَفْنٌ ، ولا نَفَعَ في الهَمِّ دَفْنٌ ؛ حَسْرَةً عَلَيْهِ ونَدَامَة . ليتَ لِي قَلْبَ أبِي دُلامَة !! . (1) النِّقْس : المِداد . (2) خميص البطن : ضامر البطن ، دقيق الخِلْقَة . (3) مُهَفهَف القامة : أي خَميصُ البطن ، دقيقُ الخَصْر . (4) جَسَا : ضد لطُفَ . (5) طويل النِّجاد : كناية عن طول القامة . (6) اللِّسْن : اللًّغة . |
ابو فهد
خواطر متناثره لقد سكبت الذهب...في منتدى رهب وسبحان من وهب وهبك من البيان...وفصاحة اللسان مايشار اليه بالبنان فامتطيت خيل المقدام واطلقت العنان للحسام فافحمت ابن الدمقسي اباالشمقمق فكنت بقراءة القران منه اعمق خواطر متناثره نقش على الصخر بانتظار مقامات اخر وكان لي الفخر......ان اكون هنا في منار وسنا بمتصفح اضاء لنا |
الغالي
الاديب والشاعر خواطر متناثره اسعدك الله في جميع اوقاتك بكل خير واسعدني حضوري لمتصفحك لانهل من مخزونك ومن فصاحتك ان شهاتي فيك مجروحه ولكن اكتفي بما استفدته منك بيض الله وجهك واكثر من امثالك المخلصين وتقبل تحياتي |
الشاعر والكاتب خواطر متناثرة كتبت فأبدعت لنا من المخزون اللغوي الذي تمتلكه مايسر الخاطر ويبهج المتلقي و الناظر فلك مني جزيل الشكر والتقدير على ماخطته اناملك من أدبٍ لا نمل من قراءته كعادتك وننتظر المزيد . لك مني ازكى تحية |
اقتباس:
خلف العاطفي ! جبلٌ فارعٌ ، وردٌ بارع ! ألبستني بالمدح جبَّة ، فدعا الفقيرُ لك ربَّه .. لفظٌ حبير ، قليل النظير .. ومعنىً مِحبار ، وقلبٌ ثرَّار .. وتركيبٌ حسن الحِبْر والسِّبْر .. جعلك الله مع الذين ( في روضةٍ يُحبرون ) . لك من الاحترام أوفرُه ، ومن التقدير أغزرُه ... . |
اقتباس:
الوالد الشاعر القدير : أبو محمد (سفير المعاني) ! حضورك بحد ذاته سموّ ورفعة مقام ، فضلاً عن حروفك العسجدية ، وإطرائك الزبرجدي .. بورك فيك ورفع المولى قدرك .. تحياتي الخاصة ... . |
اقتباس:
الأخ المثقف المخلص : مخلص ! حروفك كالسلسبيل العذب القراح ، تنسل في القلب انسلالاً .. حضورك وإطراؤك حيث العقال على رأسي .. تحياتي ... . |
أخي خوطر متناثرة ماسطره قلمك ابدااااااااااااااااااااااع وكفى
وأقول مختلسا من مقاماتك ( لعل نزولك لأدنى الصفوف سهل لك الكلام المصفوف دمت بود |
اقتباس:
الأخ العزيز : سيل القلم ! وما سطرته أناملك تاجٌ على رأسي .. اقتباس:
والنَّارُ من مُسْتصغر الشَّرَرِ ! والجبَالُ مِن الحَصَى ! الغالي : سيل القلم ! أضحك الله سنك ، ورفع قدرك ، وأعلى في الجِنان مقرَّك .. تحياتي ... . |
خواطر متناثره
رائعه كلماتك بكل ما تحمله الكلمة من معنى أمام جمال ما قرأته هنا لا أملك إلا أن أقول لك دمت ودام لنا رقيّ قلمك تقبل مروري المتواضع |
الساعة الآن 08:44AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة لشبكة رهب الأدبية