لاتتوقفوا عن إدانتي
أحببت أن أنقل هذا النص كأنني أريد كتابته وسبقني به عكاشه حتماً لا بُدّ من وجودِ شيءٍ يستحقُّ الحديثَ عنه، كلّ ما في الأمرِ أنّني أنظرُ في الاتجاهِ الخاطئ، أو أنّني لا أنظرُ مُطلقاً.... أتعلمون؟ ريثما أكتبُ الآن هناكَ امرأةٌ تُهدّد بالسقوطِ من الطّابقِ العاشر، وفي هذهِ اللحظةِ تماماً أُطلِقَتْ صفّارات الإنذار في محلّ مجوهرات والّلصُ اختفى تماماً، لا تشكّوا بي! إنّني لا أعرفُ كيفَ أتستّرُ على عيوبي ناهيكَ عن التستّرِ على مجرمٍ مُحترف. أقولُ أنّه في هذهِ اللحظةِ تماماً ثمّة صبيٌّ نشلَ حقيبةَ امرأة، وطِفلةٌ نُشِلَت إلى غُرفةِ الطوارئ، وكهلٌ رفضَ حقنة أنسولين، ومجنونٌ يتبوّلُ في الشّارع ! . كلّ هؤلاءِ يفعلونَ هذا وأنا لا زلتُ عاجزةً عن كتابةِ فكرةٍ جيّدة. حينها توصّلتُ إلى شيءٍ لستُ متأكدةً من أهمّيته، المهمّ أنّه شيءٌ وحَسْب: الناسُ لا يخرجونَ عن ثلاثة أنواع: نوعٌ يصنعُ الحدَث، ونوعٌ يتحدّثُ عنه. حتماً ستتساءلونَ عن النّوع الثالث، النوعُ الثالثُ أيّها الأوغاد هو أنا !، وحتّى الآن لم أعرِف ما الذي أفعلُه ولكنّه بالتأكيدْ شيءٌ مُختلِفٌ ولا يمتُّ لكُم بصلة. ألا تُزعجكم _بالمُناسبة_ عُقدةُ المختلف؟ دائماً تظنّونَ أنّكم مختلفون، وأنّ أبناءكم مختلفون، وأنّ ظروفكم العائليّة مُختلفة، ولهذا قد يستيقظُ أحدكم إثرَ سُعال ابنه ويركضُ إلى الدّوام، ويلهثُ عندَ بابِ المدير معتذراً، ويودُّ أخذ بقيّة اليومِ إجازة!. هل تعرفونَ كم إدارة عملٍ ستتعرقلُ لو كلّ موظفٍ غابَ عن العملِ بسببِ سعالِ ابنه أو إسهالِ ابنته أو نكديّة زوجته؟ هذهِ أمورٌ تحدثُ آلافَ المرّاتِ كلّ دقيقة، ولكنّها لا تحدثُ لكم على الدّوام، لهذا تعتقدونَ أنّكم في خضم ظرفٍ عائليّ وعلى الجميعِ أن يعذركمْ على هذا، ولا يُطالِبَكم بثمنِ الفطورِ تعاطُفاً مع حالتِكم المزرية! . ذاتُ الأمرِ ينطبقُ على ذواتكم، كم مرّةٍ شعرتم أنّكم استثنائيّون؟ ولا وجودَ لمثلكم في العالمِ كلّه؟ . الأمرُ أبسطُ من هذا بكثير، أنتم مجرّد مهرّجين آخرين، وسببُ شعوركم هذا هو أنّكم تتعاملونَ مع ذواتِكم بكلّ تقلّباتِها الشعوريّة، وتجرّبونَها عن كثَب، بينما لا تتسنّى لكم فرصةُ الولوجِ إلى ذواتِ الآخرين، وتكتفونَ بالنّظرِ إليهم من الخارِجِ وحسب!. صدّقوني إنّ أحدَهمُ قد ينظرُ إليكم في ذاتِ اللحظة ويعتقدَ أنّكم مجموعة مغفّلينَ آخرينَ على سطحِ الأرض، وأنّه هو الاستثناءُ الوحيد. وهوَ في الواقعِ مُحقّ، أنتم مجموعةُ مغفّلين بالإضافةِ إليه. هل تعتقدونَ أنّني أقسو بعضَ الشيء؟ إذنْ لا تكملوا، لأنّ لديّ كثيراً من الحقائقِ الإنسانيّة المُريعَة، التي بإمكانِها أن تُعجّل من أزمةِ منتصفِ العُمر، ومن شأنِها أن تهدّل البشرة وتُضاعِفَ لونَ الهالاتِ السوداء. إنّها ذروةُ الإحباطِ يا سادَة، حينَ تفتحونَ النّافذة وتتنفّسونَ هواءً تعتقدونَ أنّه نقيّ، بينما لا تدركونَ حقيقةَ أنّه وصلكم بعد أن عبَرَ لُعابَ جاركم السّمين، وخرجَ من أنفهِ مُشبّعاً بالمخاط، واستقرّ في جوفِ عجوزٍ ثرثارةٍ واختلطَ مع بصاقها ليستقرّ في رئاتكم أخيراً... هل فكّرتُم في هذا مُسبقاً؟ . فكرةُ أنّكم قد تخرجونَ إلى العملِ هذا الصّباح ولا تعودونَ أبداً هي فكرةٌ مُبتذلةٌ لم تعُد مخيفة، بينما أن تخرجوا إلى العملِ وتعودوا ولم يحدُث لكم شيءٌ لمدّة عشر سنواتٍ هي فكرةٌ مُريعةٌ بالفعل. إنّ البشر هُم ضحايا العادَة، وقليلٌ جدّاً من يخرجونَ عن تلك الدائرةِ التي تنمو حولهم مع مرورِ الوقت. إنّني أتعاطَفُ معكم ولم أبدأ في إخباركم بعد عن حقيقةِ أنّ معظمكم لا أهمّيةَ له ! ، وأنّ 80% منكم قد جاؤوا إلى هذهِ الدّنيا عن غيرِ قصدٍ نتيجةَ ليلةٍ عابرة !، وأنّ 19.999999999999 % جاؤوا نتيجة تخطيطٍ مدروس من قبل آبائهم الذين لعنوا اللّيلةَ التي خطّطوا فيها. وأنّ 000000000001. % هوَ ( أنا ) التي بذلَت جهدها لتقدّم لكم إحصائيّات دقيقة. الجميعُ هُنا يكتبُ عن الوطن وهمومِ الوطَن، وحينَ أقرأ لأحدهم وهو يتحدّثُ بحرقةٍ وبسالةٍ أشعرُ وكأنّه للتوّ قادمٌ من مظاهرةٍ شعبيّة أو معركةٍ أهليّة ورائحةُ الدمِ والشرفِ تنبعثُ من ثيابِه، أشعرُ به وكأنّه المناضلُ الذي لا يخشى في الله لومةَ لائم، وكأنّه اختصرَ في مقالهِ أنفاسَ خالدٍ وابن العاص وحبّات عرق جيفارا المتكدّسة في جبينه، بينما هوَ في الواقع مجرّد مواطنٍ أهبلٍ وكسول ينامُ تحتَ المكّيفِ ويصحو بكلّ بلادةٍ على صوتِ أمّه وهيَ تنادي لوجبةِ الإفطار. وحدثَ أنّ هذا البائسَ يُجيدُ الكتابَة _لا أكثر_ . كم هو سهلٌ أن تكتبَ عن الثورةِ والدمِ والوطنِ والشّرفِ والإباءِ من " مقلّطِ " بيتكم وأنت تشربُ شاي لبتون مع خبز وجبن ! . صدّقوني كثيرٌ من الشّرفاءِ لم يجرّبوا أن يمسكوا قلماً في حياتهم، أو حسناً.. لنقل أنّهم على الأقلّ لم يملكوا مُعرّفاً مُطلقاً. أنا لا أُنقِصُ من قيمةِ الكتابةِ الشّريفة، ولكنّها ستكونُ مجرّد هشّ للذبابِ في حالِ أنّ صاحِبَها كانَ مُجرّد مُناضلٍ كتابيّ.... لا أكثر، وفي الواقع هو مُجرّدُ أهبَلٍ آخر وحسب. كاتب النص وجدته باسم / ساذجه جدا تحياتي . . |
الاخ مدار
الشكر لك على هذا النقل المميز لكاتبة ساذجة فعلا ولكن بمفهوم عصر تعملقت فيه الانا تحت اقدامنا حتى حملتنا الى بروج عاجية نعتقد حينها ان العالم لاتزال في الاسفل ولكن لو سالنا انفسنا في ساعة صفاء مع النفس لن تاتي ماذا حملنا معنا وماذا تركنا في الاسفل؟ بل. هل بقي شيء مما حملناه معنا ام تساقط اثناء صعودنا؟ تشعب الموضوع وعجزت عن لملمة اطرافه ولكنفي الجقيقة اننا لم نحمل معنا الا الوهم ولم نترك الا الواقع بكل بساطته وملائمته لنا ولكنها المكابرة. خالص ودي وتقديري |
جزاء
شكرا لحضورك |
نقــل مبهــر
ورائع اسمتعت كثيراً بقراءته وتعلمت الكثير : : اسعدك الاله ! |
الساعة الآن 08:16PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة لشبكة رهب الأدبية