من الصور البديعة في سليقة الشعر الرومانسي الأنثوي ، هي تلك الصور التي يحوطها براويز قوافي الشاعرة العذبة غيوض ، وهي صور حيّه تتأجج بها ترانيم الأبيات من مختلف قصائدها على مختلف أصداء الألحان والأوزان ، بأسلوب السهل الممتنع ، وبرقّة الشاعرة الأنثى ، وسلاسة العاطفة الجيّاشة ، وكبرياء المرأة لاسيما حين يصدح القصيد ويغرّد قائلاً :

فهنا يكمن روعة التصوير لكبرياء المرأة ، وحضورها الأنثوي الطاغي ، فيما يحضرني قول امرئ القيس عن كبرياءه الملكي :
قتيلٌ ونصفٍ في حديدٍ مكبّلِ


وللحب في شعر غيوض لقاءً أول تختلج فيه المشاعر :

وين انت قبل اللي مضى من سنيني
يامسعدٍ باقي حياتي بالافراح
ماقول قبلك في حياتي ضنيني
ولانيب مع غيرك من الناس مرتاح

وللحب أيضاً في شعر غيوض معنى واضح ، ومردود المنطق ، حيث تقول :

ياحبني لك دون كل المخاليق
يااللي تساوي كل شي بحياتي
لاشفت زولك ينجلي عني الضيق
وإن غبت عن عيني تزيد عبراتي

وتشرح الحب الذي لا يوصف والذي لا يحوطه علم الكلام :

حبي لك اكبر من جميع التواصيف
حبي لك اكبر من كلامٍ يقالِ!!

وأصدق الشعر الأنثوي ، وأعذبه وأرقّه ، هو ما كان أغنجه ، الذي يكتب من أنثى لذكر :

ياحبيبي غير شوفك لا مااريد
دوك طرفي طايرٍ فيه السهد
ياحبيبي فيك ياحلو القصيد
لو كتبت الشعر في غيرك شرد
آتغني فيك باشواقي نشيد
باصدق اللي قيل من بنت بولد!!

هكذا يترنم الحب على حروف الشعر ، بتقييد خطوة الحبيب فوق الحروف الهوائية ، يطيرا معاً حيثما طار:

أكتب حروف الحب حبسٍ برجليك
قيدٍ يقيّد خطوتك لا تروحي!!
أقعد معي وان رحت خذني مخاويك
أن لا تروح إن كان قفّيت روحي!

ويجدر القول أن الشاعرة غيوض لها فلسفتها الخاصة في تفسير وتحليل الحب ، إذ تعد من الشعراء النبطيين القلائل الذين حاولوا أن يفكوا رموز وطلاسم هذا السحر الحلال ، وذلك حين حللت فلسفة الحب :

الحب مفتاح القفول المغاليق
وحبك دواي وفرحتي ياغناتي!

وترد الحب إلى المنطق الذي قالت فيه :

الحب مابين القلوب المواليف
سعادةٍ مابين غالي وغالي!!!

ولابد من أن الحب ، يرتفع به سوق الغلاء ، فيزيد بالبعد ، ولا ينقص بالقرب ! بل يحيي ما مات من بقايا الروح ولو كانت بعيدة عن الرؤية والمس ، أو كما قال المتنبي :
حتى أتيتُ بنفسٍ مات أكثرها
وليتني عشتُ منها بالذي فضلا

هذا ما جسّدته لنا قصائد شاعرتنا في قسمها بخالق الروح ومكوّن الكون :

أغليك واللي كوّن الكون انا اغليك
وحب الغلا ماهوب حب المزوحي
أرجع علي وضمني بين اياديك
ضمّة غلا تحيي بها ميت روحي!!

والغلا الصافي هو الذي لا يشوبه شائبه ، ولا يأتي بمائه (بعاثير) :

غلاي لك صافي ولا فيه تزييف
أصفى من الميّ القراح الزلالِ!
دايم وانا لك يا حبيبي على الكيف
آمر تدلّل لك علي الدلالِ!!

ولعل أعذب تصوير للغلا ، هو ما صوّر القسم فيه هاهنا :

أغليك واللي بلّ اشافيك بالريق
يامنوتي دايم محقق مناتي!!
غلاك ساقه رامعي بالمعاليق
ولولاه عيني ماتعدّت وطاتي!!!

لابد من الاختلاف بين الأحبة ، وطرح وجهة نظر الحبيب ، وابداء الأسباب في النظرة :

حاولت اجيبك للضحى وانت عييت
حاولت اغطي اللي من اجلك عصاني
افرد ضلوعي وانده الحي والميت
والا ندهتك رجع صوتي دعاني!

ولا بد مع كثرة الشوق وزيادة الغلا وسموّ الحب وتواضع الكبرياء أن يكون للعين جواباً بالدمع لتأكيد الحب النقي المؤكّد:

دايمٍ ياشوق شوقي لك جديد
وإن سألت العين لك فيها مرد!
دمعتي تنبيك عن حبٍ أكيد
غيرها ياروح روحي وش بعد؟!!

ولابد من وقفة للأحباب ، بعد مرور ما أسلفنا ، فالرحيل هو سبب نزول دمعة الحزن المؤكد :

قف وناظر دمعتي يوم درجت
يوم شفتك ناويٍ ترحل بعيد
يوم كلمتك وصديت اخرجت
أذهلتني دمعت الحزن الأكيد!!

فبالرحيل تختنق العبرة ، وهنا تتقن شاعرتنا التصوير لاختناق عبرة الحب :

وكلمتينِ كنت اباقول امرجت
ودمعتينٍ سكّرن حبل الوريد!!!
ولا عليها لوم بالشوق ادمجت
ماتريدونه على ماكنت اريد!!

بعد الرحيل .. رؤية خيال وظلال وحقيقة الحبيب تبعد الضيقة ، وترسم البسمة في الشفاة ، بعد زيادة العبرات وغرق العيون :

لاشفت زولك ينجلي عني الضيق
وإن غبت عن عيني تزيد عبراتي
دايم عيوني من فراقك غواريق
وطلعتك ترسم بسمتي في شفاتي!

والقلب يزيد من لهفة الشوق على الحبيب ، والأفكار تموج موجاً ، لتعود العيون فتغرق مرةً أخرى:

دقّات قلبي من عناي عبثت بي
تزود بين الثانية والدقيقة
راحت بي افكاري بعيدٍ وجت بي
وأهداب عيني في دموعي غريقه!

وهنا تكمن العاطفة الجيّاشة مع الكبرياء ، حين أتذكر كبرياء امرئ القيس بن حجر الكندي الذي قال :
لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل!!
حتى تدفقت العاطفة فقال :
على النحر حتى بلّ دمعي محملي!

يكمن صدق العاطفة في شعر غيوض مع عذوبة المعنى وترنيم المغنى وجرس القافية .. تقول غيوض:

لو بكيت دموع عيني ماتفيد
وإن شكيت الشكوى مافيها مسد!
كل يوم يذوب في قلبي وريد
آتصبّر مير ماعندي جلد!!
نار شوقي لك يذوب لها الحديد
وانتثر دمعي على خدي بدد!!!

وفي النهاية لا يسعنا إلا الاستشهاد ببيتين لشاعرتنا القديرة تقول فيهما :

مشاعري ياشوق يمك جرت بي
من مرهف احساسي بيوتٍ رقيقه
أكتب وتقرا ريشة العود كتبي
شعري سلس ينساب على السليقه!!

وحينما كنت طفلاً ، كنت أنشد البيتين وأحادث نفسي بأن ماتقصده غيوض هو معنى آخر ، ولكنني في ذلك الوقت لم أدرك ماهيته كما لم يدركه أحد آخر سألته بعدما كبرت من الشعراء ، حتى عرفت السر الذي سأفشيه في مقالٍ آخر بإذن الله ، عن السرّ في رقة شعر غيوض وبعض الشعراء الذي يتغنّى شعره بمجرّد إلقاءه ، بعلمٍ سمّيته علم (الترنيم)!!